ثم ماذا؟ لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي
دعوت يوماً فقلت: اللهم بلغني آمالي من العلم و العمل، و أطل عمري لأبلغ ما أحب من ذلك.
فعارضني وسواس من إبليس ، فقال : ثم ماذا ؟ أليس الموت ؟ فما الذي ينفع طول الحياة ؟ .
فقلت له: يا أبله: لو فهمت ما تحت سؤالي علمت أنه ليس بعبث.
أليس في كل يوم يزيد علمي و معرفتي فتكثر ثمار غرسي ، فأشكر يوم حصادي ؟ .
أفيسرني أنني مت منذ عشرين سنة ؟ لا و الله ، لأني ما كنت أعرف الله تعالى عشر معرفتي به اليوم .
كل ذلك ثمرة الحياة التي فيها اجتنيت أدلة الوحدانية ، و ارتقيت عن حضيض التقليد إلى يفاع البصيرة، و اطلعت على علوم زاد بها قدري ، و تجوهرت بها نفسي .
ثم زاد غرسي لآخرتي ، و قويت تجارتي في إنفاذ المباضعين من المتعلمين و قد قال الله لسيد المرسلين :
و قل رب زدني علماً .
و في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً.
و في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن من السعادة أن يطول عمر العبد و يرزقه الله عز وجل الإنابة.
فيا ليتني قدرت على عمر نوح، فإن العلم كثير، و كلما حصل منه حاصل رفع و نفع.
من كتاب :"صيد االخاطر" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي